أعيدُ هو ام فُحش !_ الأهرام الاخبارية

بقلم : عمر أحمد عبد العزيز 

لم أر طيلة حياتي تجرؤا على الذات الإلهية العظيمة وظلم للنفس أكثر من ذلك الطقس اللعين الذي يؤديه عدد ليس بهين من الناس بمُختلف أعمارهم وثقافتهم ومكانتهم الإجتماعية بقدوم العيد، الذي من الله علينا به كي يُروح عن أنفسنا ويُطبب قُلوبنا، فنشكره على فضله ونعمته علينا.


أصبح من المُعتاد أن نجد في وقفة العيد محلات الخمور البغيضة مُكدسة  بالزبائن والمشتريين العبثيين، مشهد لا نراه في المساجد ودور العبادة التي أصبحت خاوية على عروشها، أو أمام دور العلم والتنوير، أو حتى أمام أفران العيش ومحلات السلع والمأكولات الغذائية، وكأن العيد أهل للمعاصي والآثام أو فيه إجازة لها دون أي حساب أو عقاب، بدلا من التوبة إلي الله سبحانه وتعالى،  وشكره على فضله والتمتع بحلاله الذي يُغني كل الغنى عن حرامه.

 

المُدهش أن الأمر لم يقتصر فحسب على معتادي أو مدمني الخمر الذي يشربونه في كل وقت و حين، بل يوجد أشخاص من غير شاربيه يتكالبون عليه ليلة العيد بحجة الإحتفال والترويح عن الأنفس !، فتخيلوا كم العبث والحماقة إن  يحتفل شخص بعيده المقدس بمعصية بغيضة وداء عفاه الله منه ومن إدمانه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة]


إن من المنطقي أن نجد أناسا يتركون الخمر والآثام في الأيام المُباركة والأعياد محاولين التوبة والرجوع إلي الخالق جل علاه، أما أن نجد أناسا لا يعصون الله بكبرى الذنوب إلا في المناسبات الدينية والأعياد فور إنتهاء صيامهم أو ذكرهم فحقا هذا أمر غير طبيعي بالمرة؛ حيث لا يوجد أي مُبرر أو تفسير واقعي له غير مدى الإستهتار و الغفلة الواقع فيها هؤلاء الأشخاص.  


إن الأوبئة والأمراض والابتلاءات التي نُصاب بها ما هي إلا  حصاد تلك الآثام والمعاصي المُستمرة،  فكيف ننعم بحياة صحية وآمنة ورزق وفير في مُجتمع يتفنن في معصية خالقه، خاصة في الأعياد والمُناسبات الدينية الجليلة التي هادنا المولى عز وجل إياها كمكافأة لنا عن عبادتنا وذكرنا.


الأمر أشبه بمن تُعطيه هدية ثمينة لكي تسعده وتخفف عنه  فيُجازيك بما يُغضبك، فتخيل معي مدى سخطك وغضبك حينها وأنت عبد مثلك مثله، فما بالك إذن بأن يحدث ذلك مع الخالق العظيم الذي له المثل الأعلى.


والله سبحانه وتعالى كان يُنزل غضبه وسخطه على الأقوام الظالمة لنفسها والعاصية له، مثلما حدث مع قوم فرعون الذين أصابهم الله في بداية الأمر بالوباء والجراد والقمل؛ حتى أنهم لم ينتهوا عن ضلالهم، فأصابهم جل علاه بالهلاك الأبدي عن طريق الغرق، ليكونوا آية لمن خلفهم إلي يوم دين، كما حدث مع قوم عاد الذين سلط الله عليهم الرياح القاتلة، وقوم ثمود الذين أخذتهم الصاعقة، وأصحاب السبت الذين عصوا خالقهم باصطيادهم للأسماك في اليوم الذي حرم الله فيه الصيد فجعلهم الله قردة خاسئين، إضافة للعديد من الأقوام العاصية الأخرى التي حل عليها الهلاك نتيجة لعصيانها وفجورها.


{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس]


{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات]


{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [الأعراف]


{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة]


لنعيش في سلام وأمان في الدارين لابد إن نبتعد كل البعد عن حدود و نواهي المولى عز وجل، فكل شيء نفعله أو نُقدم عليه يحب أن يكون بحثا عن نتيجة إيجابية دائمة في الدنيا و الآخرة، وليست مؤقتة فحسب، وشرب الخمر وإرتكاب المعاصي حتى وإن كان فيه منافع أو سعادة، فهي مؤقتة وفانية لأن يعقُبها ابتلاءات، و عذاب، وندم وحسرة، فإذن فالمنافع الحقيقة هي التي تنفعنا في الدارين معا أو التي تنفعنا في الآخرة التي هي دار البقاء ليس شيئا آخر.

{وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} [الأنعام] 


{وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت]


وفي الأعياد لابد إن نستزود ونتحصن أكثر بالعبادات والذكر والقرب من الله عز وجل، وأن نفرح بما أتانا الله من فضله ونتزاور ونُرفه عن أنفسنا في حدود ما أمرنا الله به وما لم يناهنا عنه، وليس أن نتحداه حاشا لله أو نظلم أنفسنا بكل حماقة وبلاهة في مثل تلك الأيام المُباركة التي حتما الذنب فيها يكون أضعاف الذنب في أي وقت آخر.


ويجب أن تكون لوزارة التربية والتعليم دورا فعالا في مثل تلك القضايا الشائكة، فالتربية والوعي الديني مصدرهما الأول  والأكثر تأثيرا هو المدرسة، فالطفل إذا ترعرع في مدرسة غير تربوية أصبح نبتا فاسدا ومسرطنا للمُجتمع حتى وإن كان من بيت صالح، وإذا ترعرع في مدرسة تربوية تعي دورها في عملية التربية قبل التعليم أصبح نبتا يافعا؛ حتى وإن كان من أسرة غير صالحة أو غير واعية بالشكل الكافي مما يجعل لوزارة التربية والتعليم دورا غير هين في مُعالجة القضايا الدينية والمُجتمعية من الجذور.   


ولا نغفل أيضا عن  الدور الهام التي يجب أن تؤدية وسائل الإعلام المُختلفة بكل مهنية في مناقشة ومعالجة تلك النوع من القضايا، وخاصة الإعلام الإلكتروني و المرئي الذي يتفاعل معه عدد كبير من الجماهير وخاصة فئة المراهقين والشباب، وذلك عن طريق نشر وبث المقالات والتقارير والحوارات واللقاءات المُختلفة مع  الأئمة و رجال الدين والإستشاريين النفسيين، وخبراء علم النفس والإجتماع حول أسباب ومخاطر و علاج تلك الكوراث الآدمية البغيضة، فالإعلام يجب أن يصحو من غفوته ويبتعد قدر الإمكان عن الملعب السياسي موجها كامل طاقته وقدراته المُختلفة نحو الإصلاح الديني والمُجتمعي والتنمية البشرية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم