الفصل الأول من رواية " البر الشرقي " للكاتب علي جنيدي


      


   فى محطة حافلات بنى سويف جلس الشيخ صالح على دكة صغيرة ينتظر أى حافلة لتذهب به إلى أى قرية من القرى، فليس فى ترتيب الشيخ وسيلة مواصلات بعينها أو جهة بعينها، فما كان الشيخ سوى ورقةَ شجرٍ جافة من أوراق الخريف على صفحة ماء يجرفها التيار حيث يشاء. دارت عينا الشيخ تتفحص المارة كأنه يستعرض فيلما سينمائيا، فهذا بائع كدرفة الباب فى جلبابه الأزرق، يحمل على ظهره ربطة كبيرة من الفانلات والألبسة والجوارب والفوط، يطوف بها، ويستوقفه أحدهم ويقلِّب فى بضاعته ويسأله عن ثمن السراويل، فيقول له عشرة قروش، فيقول الزبون بأنه يخشى أن لا يكون على قد المقاس، فيقول له البائع:"اخلع وقيس"، ويضحك البائع والزبون معا؛ إنه الشقاء معجون بالدعابة.

         وهذا جندى، قبضةٌ من طين الأرض، وكروانة العدس، وذل الفقر والامتهان، جلس يدخن سيجارته ينفث فيها آلام الغربة وقسوة الجندية، وبيده قرطاس صغير من الترمس قد اشتراه للتو من بائع الترمس الذى يدفع أمامه عربته اليد التى تعلوها كومة من الترمس بلونه الأصفر الفاتح، وقد صُفت العربة بالقلل القناوى التى زُينت حُلوقها بالورد البلدى والريحان، والتى يشرب منها المارة حينا، وحينا يرش منها على ترمسه كى يظل نضرا. وهذا بائع طويل القامة وطويل القفا، فى ثوبه الترُكلين السادة، يحمل على كتفه صندوقا صغيرا يبيع جلدة البطاقة، وجلدة البوتاجاز والدبابيس وإبر مواقد الغاز ومشابك الغسيل وأمشاط الشعر، ويقفز من أتوبيس إلى آخر ويقول:"جلدة للبطاقة، إبرة للوابور، مشبك للغسيل. وتلك امرأة قصيرة بدينة تربط وسطها بحزام وقد وضعت فيه ألوانا مختلفة من السكاكين، وتمسك بعضا من السكاكين ولا تقول غير عبارة واحدة: "سكاكين صُلب حلوة، سكاكين صلب حلوة ". وبائع البطاطا يدفع عربته وعليها فرن مقبى من الصفيح له مدخنة يعلو دخانها ينادى على بضاعته "حلوة يا بطاطا"، ويمد يده داخل الفرن ليخرج ذرا من البطاطا يشطره إلى نصفين طولا ويلفه فى ورقة للزبون بعد رشه بقليل من الملح المخلوط بالكمون والشطة السودانى، وكذلك من يدفع عربته اليد وعليها الفول السودانى واللب الأبيض والأسمر. وهذه تجلس بمشنة مملوءة بالفجل والجرجير والكرات وتنادى"وِرْوِرْ يا فجل"، وبجوارها من تنادى على الجزر الأحمر بعروشه الخضراء التى تُشبه الشبت. فموقف السيارات كان بابا للرزق لكثير من البسطاء الذين يتصيدون لقمتهم الحلال، الذين لا يريدون غير الستر وراحة البال.

        ويأتى أتوبيس فيندفع إليه كومة من البشر اندفاع كومة من نشارة الحديد نحو قطعة من المغناطيس، ويقفز الشيخ صالح ويجلس محشورا بين خمسة من الركاب بالمقعد الخلفى للأوتوبيس، ويأتيه الكمسارى بسترته الكاكى ذات الأزرار الصفراء التى لم يبق منها غير زر وحيد وقد تدلى من السترة يُبدى نيته للحاق بأقرانه، ينقر بقلمه الكوبية على صندوق التذاكر المستطيل الشكل، وهو يجاهد بشق الأنفس يشق طريقه بين كتلة البشر المحشورة داخل الأتوبيس، ويسأله عن وجهته، والشيخ لا يدرى شيئا عن وجهته، فتبدو عليه الحيرة.

-يا شيخ خلصنا، ألا تعرف إلى أين أنت ذاهب. 

-أول بلد إن شاء الله.

- أول بلد ثلاثة قروش.

     يشق الأتوبيس طريقه بين المزارع، ويمر على عِزَبٍ متناثرة هنا وهناك ترقد بين الحقول، وبعد نصف ساعة تقريبا يصيح الكمسارى"أول بلد يا شيخ". وصل الشيخ إلى القرية والشمس تلملم أمتعتها فى حقيبة السفر، لتبدأ رحلة الغروب، وقد حضر اليل بظلمته يمشى متوكئا فى الدروب، ويلف القرية غُبار المواشى والخراف والماعز وهى تفىء إلى البيوت من الحقول، واستدل الشيخ على جامع القرية، وجامع القرية غالبا ما يكون محطة الغريب، حيث توضأ الشيخ ودلف من باب الميضأة الصغير إلى داخل المسجد المفروش بحصير السَمَّار، وتوجه نحو رجل نحيل يجلس القرفصاء وأمامه عدة مصابيحٍ يشعلها واحدا تلو الآخر، وخلفه خزانة مفتوحة فى جدار المسجد مقوسة من الأعلى تطل منها متعلقات فرَّاش المسجد من ألبسة وأغطية، ويبدو أن فراش المسجد يقيم فيه. 

        ألقى الشيخ السلام على فراش المسجد الذى رد السلام بدون أن يرفع رأسه، فهو منهمك فى إشعال لمبات الجاز وتثبيت زجاجاتها قبل إطباق الظلام، وقام بحمل لمبة فى يد ولمبة فى أخرى وتوجه نحو المحراب فوضع إحداهما فى طاقة بجوار المحراب، ووضع الآخرى بجوار ساعة بندولية كبيرة تنتصب شامخة شمال المحراب ورقاصها، وبصوت مسموع، يتأرجح ناحية اليمين وناحية الشمال كأنه يؤدى صلاته الخاصة به، وعاد ليأخذ ما بقى من لمبات ليوزعها فى أركان المسجد، وهنا انتبه إلى أن بالمسجد رجلا غريبا عن القرية، فمد يده وسلم عليه ورحب به.

     دس عامل المسجد يده فى جيب الصديرية وسحب سلسلة تنتهى بساعة جيب وضغط على ذر بمؤخرتها فانفتح غطاء الساعة فنظر فيها وأغلقها على الفور وتوجه نحو سلم خشبى فى آخر المسجد جهة الغرب، وارتقى بخفة درجات السُلم الخشبى الذى يصل إلى سطح المسجد. وقف عامل المسجد على سطح المسجد ووضع كفه اليمنى على خده الأيمن مميلا رأسه إلى الخلف ومتوجها نحو القبلة وقام برفع الأذان، وقد كان صوت حسين القاضى، فراش المسجد، كنعيق البوم، لا قوة فيه ولا جمالا. ولم يكن القاضى هو المؤذن، ولا يؤذن إلا إذا لم يكن هناك مؤذن آخر. وكان الأذان فرصة للتنافس فى حلاوة الصوت، ومن المؤذنين زوج الثلاثة، ومصطفى أبو حفيظ، وصياح، وكانت أصواتهم مميزة وجميلة.

        هبط القاضى درجات السلم بخفة كما صعد، وتوجه نحو المحراب حيث يجلس  الشيخ، وتقاطر الناس على المسجد لصلاة المغرب، تتقاطر المياه من وجوههم بعد الوضوء، سراويلهم مصبوغة بطين الأرض وخُضرة الحشائش والبرسيم والحلبة، وتنضح قمصانهم بالعرق، فهم عائدون للتو من حقولهم. لوى القاضى عنقه يستطلع نسبة الحضور فى المسجد، وشجعت هيئة الشيخ الوقورة فى جبته وقفطانه وطربوشة أن يشير إليه القاضى ليأمهم للصلاة. قرأ الشيخ بصوت عذب من آخر سورة البقرة من أول قوله تعالى:{آمن الرسول بما أنزل إليه...}إلى آخر السورة، وفى الركعة الثانية قرأ من أول آل عمران حتى قوله تعالى:{ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه، إن الله لا يخلف الميعاد}. الأنوار الخافتة فى الجامع، وصوت الشيخ صالح الهادىء، واختياره للآيات التى قرأها، أثارت دفئا وروحانية فى أرجاء المسجد وكأنك ترى الملائكة ترفرف بأجنحتها فى أرجاء المسجد، هدوء يبعث الطمأنينة والرضا فى النفس، هدوء يغسل القلوب ويرفع الشقاء عن الأبدان.

        بعد انتهاء الصلاة أقبل على الشيخ كثير من المصلين يسلمون عليه، وهذا لأنه غريب عن القرية، ولا يبدو أنه ضيف على أحد من أهلها. بسط الحاج رجب يده إلى الشيخ يستنهضه، ودعاه ليشرب معه الشاى فى بيته، ولم يتردد الشيخ صالح فى تلبية الدعوة، وخرجا معا من المسجد، حتى أن كثيرا من الناس ظنوا أن الشيخ ضيف على الحاج رجب، وما إن وصلا إلى البيت حتى حدَّج الحاج رجب فى زوجه بنظرة فهمتها على الفور، ودخل الحاج وضيفه إلى المنظرة، وبعد قليل كان العشاء جاهزا، بعضا من أرغفة الخبز البيتى وطبق متْرع بالسمن البلدى والبيض المقشر، وآخر بالجبن، وحزمة من الجرجير وأخرى من الفجل مع اللفت المخلل. تأخرت أم أحمد، زوج الحاج رجب، فى تقديم الشاى، ولكنه سمع صوت أم أحمد تنادى على جارتهم فوزية، فخرج من المنظرة يستطلع الأمر وعاد متهلل الوجه، وقال للشيخ:"الخير على قدوم الواردين"، الجاموسة تلد يا شيخ، فنهض الشيخ على الفور وذهب مع الحاج رجب، وبعد قليل عاد الرجلال وقد شمر كل منهما عن ساعديه وعلى أيديهما آثار الدماء، وتبعتهما فوزية تحمل إبريقا من النحاس فى يد، وبالأخرى طسطا مجوفا له غطاء مُخرَّم ومصفاة يضع عليها الضيف الصابونة أثناء الغسل، وهنا جلس الشيخ القرفصاء وصبت فوزية الماء، فالتقت عينا الشيخ بعينى فوزية، وكأن عينا الغريب وجدت الوطن الذى تبحث عنه، وبعد أن فرغ من غسل يديه قال لفوزية"لا صُغْر ولا هَوان"، فأجابته"لا رَيْت هان"، وناولته المنشفة ليجفف يديه.

      لم يعرف الحاج رجب شيئا عن الشيخ سوى أن اسمه صالح وأنه على باب الله وأنه من مركز بوش، ولم يكن الحاج رجب حريصا على أن يعرف كل شىء عن الشيخ فرضى بما كشفه الشيخ عن نفسه ولم يطلب المزيد. هناك صنف من الناس يتسللون إلى القلوب، فى وجوههم القبول، يكفيك أن تنظر فى صفحة وجوههم لتثق بهم وتحبهم بدون أن تُفتش وراءهم أو تبحث فى أمرهم، ومن هؤلاء الشيخ صالح. 

     توجه الرجلان بعد شرب الشاى إلى الجامع لصلاة العشاء، وصاحبهما توفيق بن جارة الحاج رجب، يمشون فى شوارع القرية الضيقة فى ضوء القمر وما يتسلل من أبواب البيوت ونوافذها من أنوار المصابيح، وبعد أذان العشاء بدأ شيخ من الأوقاف فى خطبة بعد الأذان، وكان من عادة الأوقاف أن ترسل بين الحين والآخر واعظا إلى بعض القرى، وامتلأ المسجد عن آخره بالمصلين، وجلس فى مؤخرة المسجد رجل مسن من أهل القرية تبدو عليه المهابة، وقد أسند ظهره إلى الحائط ومد رجليه وبجواره عصاه الغليظة معقوفة اليد، وأسهب الشيخ وأطال والناس تنتظر الصلاة، فتململ الرجل الذى بالخلف من طول الانتظار، وصاح بصوت سمعه كل من فى المسجد قائلا: "ما تقيم الصلاة يا قاضى، الضراط هيفرتكنا"، وتدارك الشيخ الأمر، وقال" إذا أم أحدكم الناس فليخفف"، وأقيمت الصلاة بين برطمة المصلين بين راض بما حدث ومعترض. 

     عندما تفرق الناس بعد صلاة العشاء بقى القاضى والشيخ، فأشار القاضى على الشيخ صالح أن يكون رفيقه تلك الليلة، وبالفعل قضى الشيخ صالح ليلته فى المسجد مع القاضى، وقد افترشا حصير المسجد بدون أغطية فقد كان الجو فى أواخر أكتوبر خريفيا جميلا لا هو بالحار الخانق، ولا هو بالقارس البرودة. 

     انتبه الشيخ من نومه قبل أذان الفجر، وتلفت حواليه فلم يجد القاضى، فنهض متثاقلا يبدو عليه الإرهاق، وتوجه إلى مراحيض المسجد من خلال الباب الدخلى الصغير، وتوضأ ليصلى ركعتين قبل حلول الفجر، وحتى يأتى القاضى ، وبعد قليل ترامى إلى مسامعه، صوت القاضى وهو يفتح الباب الكبير للمسجد.  

     يحمل القاضى على بسطة يده طبقة من العيش السوقى وقرطاسا من الطعمية. القاضى من أهل القرية وله بيت فيها ولكنه يعيش فى المسجد ولا يتركه إلا قليلا، ويعيش عازبا ولهذا يعتمد على الخبز السوقى الذى لا يبيعه فى القرية سوى محمود أبو عيشة، ولم يكن بالقرية أو القرى المجاورة مخبزا لهذا الخبز فأهل القرى يعتمدون على ما يقومون بخبزه فى بيوتهم وما يدخرونه من البتاو المقدد، بل وكانوا يعتبرون شراء مثل هذا الخبز السوقى عيبا. 

     يذهب محمود أبو عيشة بعربته الكارو وحماره الذى يجر العربة بعد منتصف الليل قاطعا سبعة كيلومترات ذهابا وإيابا صيفا وشتاء إلى المدينة، حتى أن الحمار قد ألف الطريق فلا يحتاج إلى من يوجهه، فترى محمود يغط فى نومه فوق العربة، والحمار يجرها إلى وجهتها، ليعود قبل الفجر ومعه الخبز وتنكة مملوءة بالطعمية، وغالبا كان يفرُغ من بيع ما جلب قبل شروق الشمس، وخصوصا فى موسم جنى القطن حيث يشترى الفتيات اللائى يقمن بجنى القطن فطورهن قبل ذهابهن إلى الحقول.

     بعد صلاة الفجر وانصراف المصلين من المسجد لم يبق سوى القاضى والشيخ صالح والحاج رجب. فرد القاضى قطعة من القماش فى الجانب الغربى من مقدمة المسجد ووضع الخبز والطعمية وكوب من الماء، وجلس بجواره الشيخ صالح والحاج رجب. أشار القاضى بيده للرجلين وقال"بسم الله!"، وهى صيغة للدعوة إلى الطعام. مد الشيخ يده ليأكل بينما قال الحاج رجب"صحة وعافية"، وأردف قائلا:" يا شيخ صالح!" فانتبه الشيخ صالح وهو يزدرد اللقمة، لقد فكرت كثيرا ليلة أمس، وقلت لنفسى لم لا تستقر فى القرية بدلا من طوافك فى بلاد الله، فوجودك معنا يا شيخ لن يزيدنا إلا بركة، وعندى يا شيخ صالح غرفة فى وسط القرية يعرفها القاضى، مقفولة لا أستخدمها. تهلل وجه الشيخ صالح امتنانا، وكذلك تهلل وجه القاضى، وبالفعل قرر الشيخ صالح الغريب قبول العرض، وأصبح الشيخ من أهل القرية، له بيت يأوى إليه، وله أهل يرقون لحاله، ويسعون لخدمته.

    الشيخ صالح رجل فارع الطول، مستطيل الوجه، تبدو عليه الوسامة، ولكن تختلط وسامته مع شقاء يبدو فى قسمات وجهه الذى تختلط فيه السُّمرة بالحُمرة. لا تبدو على الشيخ سمات الدراويش أو المتسولين، ولم تكن له لحية يعوذها الذوق والتهذيب، بل كان حليقا، ولم يكن من القراء الذين يقرءون فى المآتم أو المقابر، ولذلك لم يدخل فى عداوة مع الشيخ لملوم قارىء القرية، ولكن يبدو للناظرين إليه أنه من أسرة كريمة جار عليها الزمان، ولهذا لم يجد فى عيون الناس سوى العطف مع الاحترام، ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى أصبح الشيخ واحدا من أهل القرية.

     يسكن بجوار الحاج رجب فوزية، أو كما يحلو للناس تسميتها ب"فوز"، تناهز الثلاثين من عمرها، خفيفة الظل، ضحوكة يحبها الناس وتحب الناس، توفى زوجها قبل أن يبلغ الأربعين من عمره، ولها طفل يبلغ العاشرة من عمره، ولها بيت تركه لها زوجها، وعندها نصف فدان ورثته عن أبيها، وكان الحاج رجب يزرع لها النصف فدان، وكانت من حين لآخر تساعد زوج الحاج رجب فى الأعمال المنزلية وخصوصا إذا كان هناك خبيز. تقدم أكثر من واحد من أهل القرية للزواج من فوزية، ولكن جميعهم فى الستين من عمره أو تجاوز الستين، فرفضت كل من تقدم إليها ليتزوجها، وكان أكبرهم عمرا رجل متأنتك فى ملابسه وحركاته، ولما رفضته فوزية قال لها وهو يَهِم بالخروج من بيتها:

- بقولوا فى المثل: اللي متحبش تشوف وشه ييجي يوم وتتمنى تشوف قفاه، يا فُوز!

- فوز وهى تضحك: وبيقولوا فى المثل: ياعني علي الشايب لما يدَلَّع، يبقي زي الباب المِخَلَّع.

 طلب الشيخ من جارته أم توفيق أن تذهب لتنظف الغرفة التى أمام بئر الشُهدا فى وسط القرية، وأعطاها المفتاح، فذهبت ومعها ابنها توفيق لتنظيف الغرفة، وفى بيوت الفلاحين تكثر الأشياء التى تشتهيها الثعابين مثل الفئران والأبراص والسحالي والحمام. خرجت فوزية من غرفة الحاج رجب مهرولة وبيدها مقشة، وتستغيث بالناس ففى الغرفة ثعبان كبير، فتجمع الناس حولها ودخل بعضهم الغرفة لكنهم لم يفلحوا فى قتل الثعبان، وأشار البعض الاستعانة بمحمد أبو عبد السلام، فيقولون بأنه محوى ويستطيع الإمساك بالثعابين، وبالفعل وضع توفيق ذيله فى أسنانه وجرى ليستدعى محمد أبو عبد السلام.

     جاء محمد أبو عبد السلام، وهو رجل طويل، أشقر، له شارب أصفر، يتسم بالهدوء والمهابة، ودخل الغرفة، واستطاع أن يمسك بالثعبان الذى يتجاوز المتر والنصف طولا، والرجل لم يمارس أى طقس من طقوس الرفاعية، ولكنها المهارة، والشجاعة الحذرة، وجلس مسندا ظهره للغرفة وقد تجمع حوله الناس، وهو يقبض على عنق الثعبان، وقد مد عصا صغيرة فى فمه يضغط بها على أسنان الثعبان ليخرج ما بها من سم. ومن حين إلى آخر يأتى إلى القرية من يخرجون الثعابين وأكثرهم يمارسون الدجل والشعوذة لابتزاز الفلاحين. وبحلول المساء كانت الغرفة نظيفة وجاهزة ليسكنها الغريب.

إرسال تعليق

أحدث أقدم